بعثات التنقيب في “فيلكا” تواصل جهودها وتؤكد استيطان الجزيرة في الفترة العباسية
( كونا ) – تواصل بعثات التنقيب عن الآثار في (فيلكا) الكويتية جهودها وعملها الدؤوب في محاولة جادة لتدوين تاريخ الجزيرة ومراحل استيطانها باعتبارها موقعا أثريا ومحط التقاء الحضارات والثقافات.
ويرجع تاريخ التنقيب الأثري في الكويت إلى ما قبل الاستقلال وتحديدا في عام 1957 عندما دعت الحكومة الكويتية آنذاك بعثة التنقيب الدنماركية للتنقيب في جزيرة فيلكا (20 كيلومترا عن سواحل مدينة الكويت) حيث توجد العديد من التلال الأثرية.
أما البعثة الكويتية الإيطالية الموجودة حاليا في جزيرة فيلكا فقد ساهمت في الكشف عن العديد من الدلائل الأثرية خصوصا في قرية (القرينية) في الجزيرة وأدت تلك المكتشفات الأثرية إلى إعادة كتابة تاريخ المنطقة التي تؤكد استيطانها في الفترة العباسية.
في موازاة ذلك تركز البعثة الكويتية الإيطالية في (فيلكا) في بحثها وتنقيبا عن الآثار حاليا على قرية (القرينية) بغية التوصل إلى معلومات حول بداية الاستيطان في تلك القرية.
وبهذا الشأن قال رئيس البعثة الإيطالية أندريه دي ميكالي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأحد إن نتائج البحث الأثري في (القرينية) كشفت عن أدلة مهمة تعود إلى بداية العصر الإسلامي مما يؤكد استيطان القرية في تلك الفترة.
وأوضح دي ميكالي أن الأدلة السابقة والمعروفة عن تلك القرية تبين أنها تعود إلى العصر الإسلامي المتأخر مما يدل على أن موقع القرية يعود إلى فترتين زمنيتين مختلفتين.
وأضاف أن بعثة التنقيب أصبح لديها مادة علمية غزيرة عن حجم المستوطنة في (القرينية) وطبيعة المعيشة فيها كذلك النشاطات التي كان يزاولها مستوطنو تلك القرية.
ولفت إلى آخر الاكتشافات التي تعود إلى بداية العصر الإسلامي (الفترة العباسية) في القرنين السابع والثامن الميلاديين إذ كانت الاكتشافات عبارة عن مجموعة من المنازل المبنية من الطوب والحجر وتحتوي على حجرات متقاربة تطل في معظمها على فناء.
وذكر أن تلك المباني احتوت على مخزن متعدد الأغراض فيه مستودعات ووجد كذلك تنور فيه مادة (القار) المعتقد أنها استخدمت في طلاء السفن آنذاك مما يعني أن هناك ورشة لإصلاح السفن في تلك المستوطنة ومن الممكن أن يكون الميناء القديم لقرية (القصور) التي تبعد عن (القرينية) مسافة 5ر1 كيلومتر.
وبين دي ميكالي أن الاكتشافات تبين أن (القرينية) عبارة عن ميناء نشيط مع العالم الخارجي حيث نشأت تلك القرية على الساحل وكانت النافذة الوحيدة التي تطل على العالم الخارجي في الفترة الإسلامية المبكرة.
ولفت إلى أن بعثة التنقيب اكتشفت خلال هذا الموسم جرة فخارية كاملة تعود إلى بداية العصر الاسلامي بالإضافة إلى قالب لصناعة طلقات البنادق.
وأشار إلى اكتشافات البعثة خلال المواسم السابقة في قرية (القرينية) والعائدة الى فترة العصر الإسلامي المتأخر مبينا أن القرية المتأخرة تعود إلى نهاية القرن ال18 وبداية القرن ال20.
وقال إن البعثة عثرت في أفنية المنازل على تنانير للطبخ كما احتوى المنزل على غرف للمبيت ودورات مياه ومخازن وأروقة مشيرا إلى وجود (مدبسة) لصناعة الدبس في أحد المنازل مما يشكل دليلا مهما على زراعة النخيل في تلك الفترة لغرض تجاري لأن حجم المدبسة كبير جدا.
وبين أن البعثة وجدت المحار بكميات كبيرة في أحد المنازل مما يدل على حرفة الغوص على اللؤلؤ آنذاك كذلك وجدت عظام أسماك ودلالتها على صيد السمك إضافة إلى وجود عظام الماشية والتي تدل على تربية الماشية وحيوانات الرعي.
وذكر دي ميكالي أن هناك أدلة تؤكد مزاولة مستوطني القرية في فترة العصر الإسلامي المتأخر الأنشطة التجارية بعيدة المدى وتعكس حجم التبادل التجاري آنذاك حيث عثر على بورسلان صيني تم استقدامه من الصين للاستخدام المحلي وأساور زجاجية من الهند استخدمت للزينة.
وأشار كذلك إلى العثور على فخاريات هندية وخزفيات وفخاريات مصدرها من عمان وجلفار في رأس الخيمة ومن جنوب الخليج العربي كما تم اكتشاف نوعين من (الغليون) معدني وفخاري في دليل على تدخين مستوطني القرية في تلك الفترة.
وأكد ضرورة المحافظة على جزيرة فيلكا ومحيطها البيئي باعتبارها موقعا أثريا له أهمية كبيرة توجب دمجها في الخطط التنموية للدولة والاستفادة منها في الجانب السياحي.
على صعيد متصل أفاد مراقب الآثار في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور حامد المطيري ل (كونا) بأن قرية (القرينية) إحدى القرى القديمة والواقعة على الساحل الشمالي لجزيرة فيلكا الكويتية وهي تخضع لإشراف المجلس الوطني للثقافة.
وقال المطيري إن هذه القرية ورد ذكرها في بعض التقارير القديمة كتقرير (فيلكس جونز) الذي زار الجزيرة مطلع القرن ال19 الميلادي وذكر أن القرية خلت من السكان بسبب الوباء الذي اجتاحها.
وأوضح أن البعثة الكويتية الإيطالية أنجزت الكثير من الأعمال الميدانية في موقع القرية واتضح أن بداية الإستيطان في الموقع يعود للقرنين السابع والثامن الميلاديين وهي فترة يطلق عليها في علم الآثار (العصر الإسلامي المبكر).
وذكر أن المستوطنة المبكرة (القرية) هجرت لأسباب مجهولة وأعيد استيطانها مرة أخرى في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي حتى مطلع القرن العشرين.
وأضاف أن النتائج التي يتم التوصل إليها خلال أعمال التنقيب الأثرية أغلبها متغيرة وترتبط بمواصلة العمل الميداني وقراءة الحدث التاريخي ومعرفة نتائج العمل الميداني في مواقع أخرى معاصرة إذ يقدم المزيد من العمل الميداني صورة أوضح للمجتمعات التي عاشت على موقع ما في فترة ما.
وعن تاريخ أول بعثة تنقيب عن الآثار في الجزيرة وهي البعثة الدنماركية قال المطيري إنها عملت في البحرين في خمسينيات القرن الماضي وحققت نتائج مهمة في اكتشاف حضارة دلمون والعصور الحجرية هناك وحصدت أصداء إيجابية طيبة كما عملت في قطر مما شجع الحكومة الكويتية على استدعاء تلك البعثة عام 1957 حيث أجرت مسحا سريعا للمواقع الأثرية في جزيرة فيلكا.
وأوضح أن ذلك المسح أثمر اكتشاف البعثة لفخار يعود إلى العصر البرونزي وآخر يعود إلى الفترة الهلنستية وكان شبيها بالموجود في البحرين وفي عام 1958 بدأ التنقيب الفعلي من هذه البعثة في الكويت واستمر إلى عام 1963.
وأنجزت البعثة الدنماركية خلال تلك الفترة عملا كبيرا في الكويت وكان لها الفضل في قطف الثمرة الأولى في تغيير مجرى التاريخ في الكويت باكتشاف العديد من الآثار في جزيرة فيلكا التي تعود إلى العصر البرونزي وإكتشاف آثار مثل (كسر الصوان) تعود إلى العصر الحجري وجدت في بر الكويت مما يدل على أن عمر الكويت يتجاوز 300 سنة.
كذلك اكتشفت هذه البعثة معابد في الجزيرة وحصنا في أحد المعابد يعود إلى الفترة الهلنستية وقصر يعود الى حضارة دلمون ومن خلال تلك المادة الأثرية المكتشفة تمت إقامة العديد من المعارض وافتتاح أول معرض في الكويت وأصبحت منطقة الآثار نشيطة جدا بالزوار وتم عمل بروشورات وكتيبات في تلك الفترة عن الاكتشافات.
ومع بداية سبعينيات القرن الماضي حضرت البعثة الأمريكية للكويت وبعدها البعثة الإيطالية عام 1979 التي اعتمدت على التصوير الجوي في رسم المواقع الأثرية وأصبح للكويت أول خرائط معمولة بالتصوير الجوي.
وبعد زيارة البعثة الإيطالية حضرت البعثة الفرنسية عام 1983 ومن اكتشافاتها معبد برجي طويل إرتفاعه تقريبا 18 مترا وهو من أهم المعالم الأثرية التي لا تزال في جزيرة فيلكا حيث تواصل تلك البعثة عملها في الجزيرة.
ومع صدور التشريعات التي رعت ونظمت العمل الأثري بصدور قانون الآثار عام 1960 وهو من أوائل القوانين في منطقة الخليج ومن ثم إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي اهتم منذ عام 2004 بالتراث الثقافي في الكويت.
وركز المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على التراث المادي الذي يبرز تاريخ وأهمية أرض الكويت ومساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية إذ قام بعدد من برامج أعمال المسح والتنقيب الأثري والدراسات الميدانية.
كما وقع المجلس اتفاقيات تعاون للتنقيب والمسوحات مع عدد من البعثات العلمية العالمية من جامعات ومعاهد متخصصة في علم الآثار للمشاركة مع الفريق الوطني للكشف عن هذا المخزون الثقافي.