الرعاية الصحية لطلبة المدارس نهج الكويت الثابت منذ مطلع القرن الماضي
(كونا) – شهد عقد الثلاثينيات من القرن الماضي في الكويت بداية نهضة سياسية واجتماعية لتأسيس الدولة الحديثة تمثلت في إنشاء العديد من الدوائر والهيئات الحكومية ومنها (دائرة المعارف) عام 1936 التي عنيت بشؤون التعليم في البلاد وأحوال الطلاب والطالبات.
ولم يقتصر دور (دائرة المعارف الكويتية) آنذاك على الاهتمام بالجوانب التعليمية والتربوية للطلبة وإنشاء المدارس فحسب بل شمل اهتمامها مختلف الجوانب الإنسانية لبناء الطالب لا سيما صحيا.
وفي هذا السياق ذكر الدكتور خالد الجارالله في بحث نشر في مجلة (رسالة الكويت) الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الكويتية في 47 يوليو عام 2014 “أن المسؤولين عن التعليم في البلاد أدركوا منذ البداية أهمية العناية بصحة التلاميذ والعاملين في المدارس”.
وقال إن هذا الاهتمام عززته توصيات خبراء التربية والتعليم البريطانيين الذين زاروا الكويت بدعوة من مسؤولي دائرة المعارف آنذاك ومنهم أدريان فالنس وهو أقدم خبير تربوي زار الكويت مرتين للنظر في أحوال التعليم.
وأضاف الجار الله أن فالنس قدم تقريرين مفصلين عن أوضاع التعليم في الكويت في عام 1939 ورد فيهما أن الرعاية الصحية في المدارس غير متوافرة مما كان له الأثر السلبي على التحصيل العلمي للتلاميذ مقترحا تعيين طبيب متفرغ للمدارس أو أن يخصص راتب لطبيب غير متفرغ من مهامه رعاية صحة التلاميذ.
وأوضح أن دائرة المعارف الكويتية اهتمت بتقريري فالنس فعمدت أولا الى تكليف الطبيب السوري يحيى الحديدي الذي استقدم للعمل في الكويت عام 1940 للقيام برعاية التلاميذ كجزء من عمله الرسمي كما دعت نظار المدارس الى الاهتمام بإرسال التلاميذ المرضى للطبيب كإجراء روتيني.
وبين الجار الله أن الرعاية الصحية للتلاميذ في المدارس خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي كانت محدودة ومتواضعة لاسيما في مدارس القرى التي كانت شبه محرومة من تلك الرعاية لبعدها عن المدينة من جهة ومحدودية الموارد والكوادر من جهة أخرى مشيرا الى أن الكثير من التلاميذ آنذاك كانوا يعانون أمراض سوء التغذية والأمراض الطفيلية والفطرية المعدية وأمراض العيون مثل (الرمد الحبيبي).
وأضاف أن دائرة الصحة في الكويت كانت تقدم خدماتها الصحية للمواطنين والمقيمين ومن ضمنهم التلاميذ من خلال طبيب المستوصف الحكومي في مطلع الاربعينات وهو ما كان يمثل عبئا مضافا على الأعباء التي كان يتحملها طبيب الصحة وخصوصا في ظل محدودية الموارد إبان سنوات الحرب العالمية الثانية.
وذكر أنه لذلك سارعت دائرة المعارف مع البدء في التوسع في إنشاء المدارس داخل المدينة والقرى إلى تعيين طاقم طبي مكون من طبيب للبنين وطبيبة للبنات ومساعد ممرض (مضمد) لكل منهما واعتمدت نظام العمل وواجبات الطبيب اليومية ووفرت الوسائل المناسبة لتأدية عمله من مواصلات لتأمين زيارة المدارس البعيدة إلى جانب تأمين مقر في الدائرة لفحص التلاميذ والموظفين وتأمين الصيدلية المدرسية من خلال التنسيق مع (مذخر الأدوية) في دائرة الصحة.
وأشار إلى أن الرعاية الصحية التي قدمتها دائرة المعارف آنذاك لم تقتصر على التلاميذ داخل المدارس فقط بل شملت أيضا الزيارات المنزلية لبعض التلاميذ المتغيبين بسبب المرض حرصا منها على رصد الحالات المرضية المعدية.
وذكر أنها قدمت أيضا خدمة الرعاية في المستوصف ومنها إلى المستشفى حتى قبل إنشاء المستشفى الحكومي (الأميري) إذ كانت تحول الحالات إلى (مستشفى الإرسالية الأمريكية) وتتكفل بدفع قيمة العلاج والدواء على الرغم من قلة الموارد المالية خلال تلك الفترة – قبل تدفق عوائد النفط – مما يدل على أن الكويت كانت سباقة في تقديم الرعاية الصحية الإنسانية للجميع دون مقابل.
وبين الجار الله أن دائرة المعارف وفرت أيضا خدمات مساندة للتعامل مع الحالات التي قد تتسبب في نقل العدوى بين التلاميذ فقد وفرت حلاقا لمواجهة حالات (القراع) أي مرض (فروة الرأس الفطري) بين التلاميذ عام 1949 وتزويد المدارس بالمواد المعقمة لوقايتها من الأمراض كما وفرت لقاح (الجدري) لتطعيم التلاميذ وكان طبيب المعارف آنذاك يرصد الحالات المتغيبة من المدرسة للتحقق من عدم وجود مرض معد للتلميذ قبل التحاقه بالمدرسة مجددا.
وأوضح أن اهتمام دائرة المعارف الكويتية بالناحية الصحية للطلبة لم يقتصر على التلاميذ داخل الكويت فحسب بل شمل أيضا طلبتها المبتعثين في الخارج إذ قررت عام 1948 تخصيص طبيب من ذوي الكفاءة يقوم بزيارة دورية للطلبة المبتعثين في مصر وذلك في مقر البعثة (بيت الكويت في القاهرة) لتقديم الرعاية الصحية لطلبتها المبتعثين.
وأضاف أنه نظرا إلى شيوع أمراض سوء التغذية عند التلاميذ آنذاك فقد أولت (دائرة المعارف) اهتمامها بتوفير وجبة غذائية مغذية مجانية لطلبة المدارس إذ خصصت عام 1950 (شوربة العدس) كوجبة يومية تقدم للطلبة لغناها بالسعرات الحرارية العالية والمكونات الغذائية الرئيسية لاسيما البروتين.
وبين أن هذا القرار كان النواة لإنشاء إدارة في مجلس المعارف لرعاية هذا المشروع وإنشاء (المطبخ المركزي) الذي استمر بتقديم الوجبات الغذائية المجانية لطلبة المدارس ووزارة التربية فيما بعد.
وأشار الجارالله إلى أن دائرة المعارف الكويتية وفرت كذلك كسوة للتلاميذ والتلميذات من ذوي العوز لمكافحة البرد عام 1950 كما أمنت صرف الأحذية لجميع الطلاب والطالبات مجانا.
وأكد أن الرعاية الصحية المجانية التي قدمتها دائرة المعارف الكويتية لم تقتصر على علاج وتغذية وكسوة ووقاية الطلاب والطالبات فقط بل امتدت لتشمل حتى رعاية التلاميذ ضعاف البصر إذ وفرت عام 1950 نظارات طبية لضعاف البصر مما ينم عن وعي متقدم في مفهوم الرعاية الصحية والتعليمية ومراعاة البعد الإنساني لهذه الفئة من التلاميذ.
وقال إنه في يوليو 1950 عهد لإدارة دائرة الصحة برعاية شؤون صحة المدارس لتكون فيما بعد نواة لتأسيس (الصحة المدرسية) عام 1951 في حين استمرت دائرة المعارف في اهتمامها بتأسيس جيل من طلبة العلوم الصحية والطبية إلى جانب دورها الرائد في انشاء المعاهد الصحية في البلاد.