استقالة بوتفليقة تنهي حقبة مهمة في تاريخ الجزائر وتطلق مرحلة عنوانها الترقب لما يخبئه المستقبل
قايد صالح: بصفتي ابن الشعب وبناء على المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقي فلا يمكنني إلا أن أنحاز إلى هذا الشعب
– قرار الجيش واضح ولا رجعة فيه .. سنقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة
(كونا) — شكل اليوم الثلاثاء النهاية الرسمية لحقبة تاريخية استمرت لعقدين من الزمن في الجزائر وحكمها خلالها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على مدى أربع ولايات حفلت بالعديد من الأحداث المتفرقة والمتنوعة ووصلت الى استقالة أعلنها الرئيس وقلب الصفحة ليطلق مرحلة جديدة من الترقب لما يخبئ المستقبل لهذا البلد العربي وشعبه المناضل.
فقد أعلنت الرئاسة الجزائرية ان “الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قدم استقالته من منصبه منهيا بذلك عهدته الرئاسية الرابعة قبل وقتها الذي كان محددا بتاريخ 28 ابريل من الشهر الجاري.
وقالت الرئاسة في بيان ان “الرئيس بوتفليقة قام بإخطار رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز رسميا بقرار إنهاء عهدته الرئاسية بصفته رئيسا للجمهورية الجزائرية”.
وجاء هذا التطور عقب تطور آخر لا يقل أهمية عنه وسبقه في نفس اليوم حيث دعا نائب وزير الدفاع الجزائري رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح إلى “تفعيل مقترح الجيش القاضي بالتطبيق الفوري للحل الدستوري المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102 ومباشرة المسار الذي يضمن تسيير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية” وذلك من خلال إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية.
وقال الفريق قايد صالح خلال ترؤسه اجتماعا بمقر أركان الجيش ضم كلا من قادة القوات وقادة النواحي العسكرية والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني ورئيسي دائرتي أركان الجيش أنه “لا مجال للمزيد من تضييع الوقت وأنه يجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102 ومباشرة المسار الذي يضمن تسيير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية”.
وأكد قايد صالح أن “قرار الجيش واضح ولا رجعة فيه إذ أننا نقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة” مضيفا “بصفتي ابن الشعب وبناء على المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقي فلا يمكنني إلا أن أنحاز إلى هذا الشعب الذي صبر طويلا وكابد المحن وحان الوقت أن يسترجع حقوقه الدستورية المشروعة وسيادته الكاملة”.
وخلص إلى التأكيد أن “مسعانا لإيجاد حل لهذه الأزمة ينبع حصرا من ولائنا للوطن وللوطن فحسب لأننا على يقين تام بقدرة الشعب الجزائري لما له من مقومات تاريخية وحضارية وطاقات بشرية متشبعة بحب الوطن على تجاوز الأزمات مهما كانت حدتها ولأننا كذلك نؤمن يقينا أن الأشخاص مهما طال الأمد فمصيرها إلى الزوال أما الوطن فهو باق إلى الأبد”.
وتتعلق المواد 7 و8 و102 من الدستور بالسيادة الوطنية التي هي ملك للشعب وكيفية ممارسة الشعب لسيادته التأسيسية وكذا بحالة المانع لرئيس الجمهورية على ممارسة مهامه.
وأكد قايد صالح أن “جهات غير دستورية وغير مخولة أصدرت بيانا باسم رئيس الجمهورية يتضمن قرارات هامة تخص المرحلة الانتقالية” معتبرا أن “البيان الصادر أمس الاثنين والمنسوب إلى رئيس الجمهورية صدر عن جهات غير دستورية وغير مخولة وتحدث عن اتخاذ قرارات هامة تخص المرحلة الانتقالية”.
وقال بهذا الصدد ان “أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلا”.
كما تطرق إلى “الاجتماعات المشبوهة التي تعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب وتبني حلول مزعومة خارج نطاق الدستور من أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة وبالتالي تأزيم الوضع أكثر فأكثر”.
ويمثل تصريح الفريق قايد صالح تحولا فعليا ويمكن اعتباره الممهد لاستقالة بوتفليقة كما أنه يفتح صفحة جديدة ستكون فيها الكلمة الفصل للجيش لا سيما أنه لا يوجد أي خطوات أو إجراءات واضحة للمرحلة المقبلة.
ومن المواقف الاخرى في هذا اليوم قال رئيس الوزراء الجزائري نور الدين بدوي ان المرحلة الحرجة التي يمر بها الجزائر تتطلب الوقوف كرجل واحد لضمان تلبية متطلبات المواطن الجزائري واستمرار عمل المصالح والمؤسسات في البلاد.
وأضاف بدوي في كلمة له خلال مراسم تنصيب وزير الداخلية والجماعات المحلية صلاح الدين دحمون أن “مهمتنا الأساسية في هذه المرحلة التاريخية هي خدمة المواطن الذي كان دائما في قلب كل المشاريع الحكومية”.
واشار الى “قوة الشعب الجزائري في الحفاظ على المكاسب والمؤسسات والروح التكاملية بينه وبين مؤسسات الدولة” مشيدا في الوقت ذاته “بالروح العالية والرصانة والمسؤولية التي عبر عنها للدخول في مرحلة جديدة”.
واضاف أن “البلاد مقبلة على مواعيد مهمة تهم الجزائريين مؤكدا ضرورة مواصلة “نفس الجهد والعزيمة للوصول إلى جزائر جديدة تلبي الطموحات التي عبر عنها الشعب الجزائري”.
وأوضح أن “وزارة الداخلية سيكون لها دور مهم للوصول بالجزائر إلى بر الامان في إطار القيم الدستورية الوطنية” لافتا الى “الروح الوطنية التي أبداها موظفو مختلف القطاعات”.
ومسساء كشفت الرئاسة الجزائري عن نص رسالة الاستقالة التي وجهها بوتفليقة الى رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز والتي قال فيها أن قراره الاستقالة من منصبه جاء إيمانا واحتسابا من أجل الإسهام في تهدئة نفوس مواطني بلاده وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا.
وأوضح بوتفليقة في رسالة الاستقالة أنه أقدم على هذا القرار حرصا منه على “تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب الوضع الراهن واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الاشخاص والممتلكات الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة”.
وأكد أن قراره “يأتي تعبيرا عن إيمانه بجزائر عزيزة كريمة تتبوأ منزلتها وتضطلع بكل مسؤولياتها في حظيرة الأمم”.
وقال إنه اتخذ في هذا المنظور الإجراءات المؤاتية عملا بصلاحياته الدستورية وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
واعتبر أن ما صدر منه من مبادرات وأعمال وجهود وتضحيات بذلها لكي يكون في مستوى الثقة التي أولاه إياها الجزائريون قائلا “سعيت من أجل تعزيز دعائم الوحدة الوطنية واستقلال وطننا المفدى وتنميته وتحقيق المصالحة فيما بيننا ومع هويتنا وتاريخنا”.