المعاناة الانسانية لسكان تعز تتضاعف مع استمرار حصارها للعام الخامس
(كونا)– تتزايد المعاناة الانسانية لسكان مدينة (تعز) اليمنية جراء الحصار المفروض عليها للعام الخامس على التوالي بشكل يفوق قدرتهم على محاولات التكيف مع ظروفه القاسية.
وتحاصر ميليشيات الحوثي مدينة (تعز) من ضواحيها الشرقية والغربية والشمالية بريفها وامتداداتها الحيوية نحو (صنعاء) و(عدن) و(الحديدة) لتعزل تلك المناطق عن أغلب أحياء (تعز) وريفها الجنوبي والساحلي الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية.
وكانت القوات الحكومية حررت مناطق غرب (تعز) في مارس 2016 وفتحت المنفذ الجنوبي الممتد إلى (عدن) عبر طريق جبلي متهالك وخطر يعرف ب (هيجة العبد).
ويعتبر هذا المنفذ شريان الحياة الوحيد لإنقاذ مئات الآلاف من الحصار المفروض منذ مطلع إبريل 2015 وأرغم المواطنين حينها على استخدام الجمال والحمير في ايصال الغذاء والدواء وإغاثة المدينة المحاصرة. ولم يكن تأمين ذلك المنفذ ليعني نهاية لمعاناة ثالث أكبر مدن اليمن من حيث تعداد السكان في ضوء عدم بروز توجه جاد لإنهاء الحصار أو تخفيف تبعاته على الناس على الرغم من تضمنه كإعلان تفاهمات بلا تفاصيل في مشاورات (ستوكهولم).
وبعد أربعة أشهر على إعلان (تفاهمات تعز) لم يتقدم الاتفاق خطوة على صعيد نقاش الحصار فضلا عن إنهائه.
وفي هذا السياق قال النائب عبدالكريم شيبان المكلف من قبل الحكومة مع آخرين بالتواصل مع مكتب مبعوث الأمم المتحدة حول (تفاهمات تعز) في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم السبت إن الجانب الحكومي يتعاطى بإيجابية والتزام مع كل المبادرات الهادفة لتخفيف المعاناة الانسانية للمواطنين.
وأشار الى ان حصار (تعز) مفروض من طرف الحوثيين وحدهم ولا يتطلب ترتيبات معقدة لإنهائه أو إجراءات حكومية مقابلة.
وأوضح أن ميليشيات الحوثي تغلق منافذ (تعز) إلى الضواحي والأرياف وتقطع طريق (عدن) الرئيسي دون أدنى سبب أو مغزى استراتيجي سوى رغبتها في زيادة معاناة السكان.
وفرض الحصار نمطا قاسيا من الحياة على السكان الذين حاولوا بدورهم التكيف لتسيير شؤون حياتهم بكلفة باهظة ومخاطر إضافية كخيار أجدى من انتظار انفراجة للحصار والمعاناة معا.
لكن المعاناة هي أكثر مأساوية بالنسبة لمن لديهم حالات مرضية مزمنة والتي يرويها اليمني علي فتى الذي ينحدر من مديرية (المخأ) الساحلية الخاضعة للشرعية والمعزولة عن (تعز) جراء الحصار.
وقال فتى ل(كونا) إنه يضطر للبقاء في (تعز) بعيدا عن بقية أسرته لستة أشهر لحاجة زوجته لغسيل الكلى مرتين أسبوعيا إضافة لعلاج طفليه من “تكسر في الدم”.
وأضاف “قبل الحصار كنا نأتي ونتعالج ثم نعود إلى قريتنا خلال ساعتين بمبلغ ألفي ريال.. حاليا نحتاج 100 ألف ريال للتنقل من القرية إلى (تعز) مرورا ب (عدن) على مدى يومين أو العكس” (الدولار يعادل 500 ريال يمني).
وبدوره قال عبدالفتاح صبر من سكان ضاحية (الحوبان) شرق (تعز) ل(كونا) إن تكلفة وعناء التنقل دفعته لتقليص جلسات الغسيل إلى جلسة أسبوعيا وأحيانا كل أسبوعين.
وأضاف “هذا الأمر خطير لكن ظروفي لا تسمح بالانتقال مرتين اسبوعيا”.
وقال مدير مركز الكلى في مستشفى الثورة العام بتعز فهمي الحناني ل(كونا) إن مرضى الفشل الكلوي يواجهون “الموت البطيء” جراء الحصار الذي أعاق وصول المساعدات الطبية من المنظمات الدولية التي تتواجد معظمها في (صنعاء) أو من (عدن).
وأشار الى أن نقاط ميليشيات الحوثي صادرت مرارا شحنات من الأدوية والمساعدات الطبية المنقذة للحياة قبل وصولها إلى (تعز).
ولفت الى أن أغلب المساعدات تصل حاليا من (عدن) وأحيانا تتعرض للتلف بسبب وعورة الطريق مع استمرار إغلاق المنفذ الرئيسي فيما يتكفل “فاعلو خير” بتوفير بقية المتطلبات.
وفرض الحصار طرقا طويلة وقاسية ومكلفة على الراغبين في الانتقال بين ضواحي (تعز) الخاضعة للحوثيين ووسط المدينة وهم بالآلاف يوميا.
فعوضا عن الانتقال عبر المنافذ الرئيسية المغلقة في غضون دقائق بمبلغ 100 ريال أصبح الناس يسلكون طرقا ترابية وجبلية وعرة تمتد لنحو 100 كيلومتر وتستغرق 5 ساعات على الأقل وبتكلفة تصل إلى 5 آلاف ريال.
وفي صورة أخرى للمعاناة يقاسم عز الدين خالد أسرته راتب أبيه لتغطية نفقاته بعدما اضطر للاقامة في مدينة (تعز) للدراسة في جامعتها.
وقال عز الدين ل (كونا) وهو يشير بيده من مكان مرتفع باتجاه الضاحية الشرقية “بيتنا هناك بالإمكان أن أذهب للجامعة وأعود خلال نصف ساعة وسيكون وضعنا أنا وأسرتي أفضل ماديا ونفسيا واجتماعيا”.
وإضافة إلى المشقة والأعباء المالية يساور أغلب المواطنين القلق من إجراءات التفتيش والتحقيق المستفزة في نقاط الحوثيين.
وقال الأكاديمي في جامعة (تعز) محمد الحذيفي ل (كونا) إن والداه مرضا وتوفيا تباعا خلال فترة الحصار في منطقة (شرعب الرونة) التي تبعد 25 كيلومترا شمالي (تعز) دون أن يتمكن من زيارتهما أو حضور جنازتيهما.
وعملت زيادة تكلفة النقل على زيادة أسعار السلع الغذائية خصوصا أن أغلب المصانع وتجار الجملة والموردين يتواجدون شرق المدينة.
وقال محمد الحمادي الذي يملك متجرا لبيع المواد غذائية بالجملة ل (كونا) إنه يواجه مشاكل مستمرة مع المواطنين الذين يتهمونه برفع الأسعار متجاهلين القيمة المضافة المترتبة على أسعار النقل. من جهته أكد مطهر علي ل (كونا) أن الحصار أغلق أمام آلاف المواطنين داخل المدينة فرص عمل كثيرة متوفرة في الضواحي المزدحمة بالمصانع والصغيرة والورش الفنية والحرفية المختلفة.
وفي سياق المعاناة الجماعية واجه المواطنون خلال الأشهر الأخيرة أزمة خانقة في إمدادات المياه ضاعفت أسعارها أكثر من أربعة أضعاف.
واوضح الخبير والمسؤول في مؤسسة مياه تعز بدري محمد ل (كونا) ان شحة المياه اضطرت المواطنين لاستخدام مياه ملوثة تسببت في تفشي الكوليرا والطفح الجلدي وبلهارسيا الدم وأمراضا أخرى فضلا عن تسرب الأطفال عن المدارس والكبار عن العمل بحثا عن الماء.
ورغم أن المعاناة المتراكمة التي خلفها الحصار تأخذ أبعادا اقتصادية واجتماعية وانسانية كبيرة إلا أنها لم تحظ بقدر كاف من الاهتمام والضغط لإنهائها أو لتخفيف وطأتها.
وأكد وكيل محافظة (تعز) عبدالقوي المخلافي ل (كونا) إن (تفاهمات تعز) يبدو أنها لا تشكل أولوية لميليشيات الحوثي.
وأكد أن الحكومة اليمنية تتعاطى بمسؤولية مع جهود السلام وتعطي فرصة للجهود الأممية وإذا تعذر ذلك فإن الجيش الوطني سيعمل على استكمال تحرير (تعز) وكسر الحصار وإنهاء المعاناة الانسانية بدعم الأشقاء في تحالف دعم الشرعية.