الشيخ صباح الخالد يرحب باعتماد مجلس الأمن قرار الكويت الأممي بشأن المفقودين
(كونا) — ترأس الشيخ صباح خالد الحمد الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية جلسة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي عقدت اليوم الثلاثاء في إطار رئاسة دولة الكويت لأعمال المجلس للشهر الحالي تحت بند (حماية المدنيين في النزاعات المسلحة) لمناقشة مسألة الأشخاص المفقودين في النزاعات والتي أتت بمبادرة من الكويت بناء على ما عانته من فقدان لأبنائها خلال الاحتلال العراقي عام 1990.
وقدمت دولة الكويت مشروع قرار أممي يهدف إلى دعم وتعزيز سبل حماية المدنيين في النزاعات المسلحة إيمانا منها بضرورة مواجهة التحديات الناجمة عن تلك النزاعات وتداعياتها السلبية على المدنيين والأبرياء والحد من تبعاتها وتذليل آثارها.
وحظي مشروع القرار بإجماع كافة أعضاء مجلس الأمن باعتباره القرار رقم 2474 كمرجع خاص للتعامل مع مسألة المفقودين وحماية المدنيين في النزاعات المسلحة يبلور التدابير اللازمة التي يتعين إتخاذها أثناء النزاع المسلح أو بعده وخلق آليات مبتكرة لحماية ووقاية المدنيين المعرضين لخطر الاختفاء والفقدان أثناء تلك الأحداث.
ويمكن المجلس من مواكبة التطورات المتعلقة بحالات المفقودين وكيفية الاستجابة لها وفق أفضل الممارسات في إطار القوانين الدولية والإنسانية وضمان احترام القواعد والمبادئ بموجب ميثاق الأمم المتحدة المتصلة بحماية المدنيين وصون السلم والأمن الدوليين.
واستمع مجلس الأمن خلال هذه الجلسة إلى إحاطات قدمها كل من رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورير ومديرة شعبة العمليات بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ رينا غيلاني عبرا فيهما عما يمثله هذا الموضوع من أهمية قصوى في ظل الظروف الدولية الراهنة حيث أعربا عن إشادتهما لهذا النهج الذي يضطلع به مجلس الأمن خلال رئاسة دولة الكويت في حين قامت عدد من الدول الأعضاء بإدلاء بيناتها المشيدة والمؤيدة لهذه الإجراءات.
وكان للشيخ صباح خالد الحمد الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية كلمة خلال أعمال الجلسة جاء نصها على النحو التالي: “بسم الله الرحمن الرحيم اسمحوا لي بداية أن أعرب عن سعادتي لمشاركتكم اليوم في هذه الجلسة التي تتناول قضية إنسانية هامة تتعلق بالأشخاص المفقودين نتيجة للنزاعات المسلحة.
ولا يسعني إلا أن أرحب باعتماد مجلس الأمن للقرار 2474 (2019) والذي بادرت دولة الكويت بطرحه وصياغته وتقديمه لما له من أهمية إنسانية خاصة تلامس مشاعر شعب دولة الكويت وتعزز الجهود الدولية الرامية إلى معالجة قضية الأشخاص المفقودين في النزاعات المسلحة.
ولا يفوتني في هذا السياق أن أشكر جميع الأعضاء على دعمهم ومساندتهم أثناء المفاوضات على القرار الذي تقدمنا به لما له من أبعاد ومعان إنسانية وما يقدمه في سبيل تعزيز الإطار المؤسسي والمعياري لحماية المدنيين والجهود الدولية التي تسهم في التعامل مع الأشخاص المفقودين في النزاعات المسلحة تماشيا مع الاهتمام البالغ الذي يوليه مجلس الامن للمسائل ذات الصلة بحماية المدنيين على مدى العشرين عاما الماضية وكل ما صدر عنه من قرارات ذات طبيعة إنسانية لامست الواقع بعيدا عن الاعتبارات السياسية وآخرها قرارنا هذا الرامي إلى إيجاد السبل الكفيلة لمنع الاشخاص من أن يكونوا في عداد المفقودين نتيجة للنزاعات كما أود أن أثني على إحاطة كل من رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيد بيتر ماورير ومدير شعبة العمليات في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ السيدة رينا غيلاني والتي ساهمت في إثراء النقاش حول هذا الموضوع الهام.
يأتي انعقاد هذا الإجتماع في ظل ما تشهده الساحة الدولية من تحديات متصاعدة تهدد السلم والأمن الدوليين أصبحت أكثر تعقيدا وتشابكا مما كانت عليه على مر السنين فهناك أعداد لا تحصى من السكان المدنيين متأثرين بتلك النزاعات وغيرها من حالات العنف التي تلقي بظلالها على المدنيين ولها تداعيات وآثار إنسانية خطيرة تستدعي إيجاد حلول شاملة ومستدامة لها وإلا فإنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى إطالة أمد تلك النزاعات وتمثل عقبة أمام تحقيق الأمن والاستقرار.
من تلك التداعيات الإنسانية التي لم تغفلها القوانين والأعراف الدولية هي مسألة المفقودين في النزاعات وما لها من عواقب مأساوية على حياة المدنيين المتضررين من النزاعات وعائلاتهم ونحن على قناعة تامة بأنها تحمل في طياتها العديد من العناصر الهامة التي تسترعي انتباه المجتمع الدولي وتستدعي التعامل معها في كافة مراحل النزاع ومن بعده من خلال ممارسات واضحة ومجربة فالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني قد حددا الأدوات التي يتعين علينا استخدامها لكفالة حماية المجتمعات والمدنيين أثناء النزاعات وضمان حصولهم على كافة حقوقهم وتمتعهم بحياة حرة وكريمة خالية من الانتهاكات والمعاناة الإنسانية بما في ذلك الدعوة إلى إيجاد الحلول لحالات فقدان الأشخاص نتيجة للنزاعات.
ليس هناك حرب أو نزاع إلا كان المفقودون من أبرز ضحاياه لذا يتعين الالتزام بتلك الأدوات والممارسات للوصول إلى أرضية تفاوضية مشتركة ومعززِة للثقة المتبادلة في العمليات السياسية والتفاوضية في نهاية النزاع والمؤدية إلى اتفاقات السلام ومرحلة بناء السلام واستدامته وما يساهم في تحقيق ذلك هو توفير كافة المعلومات من قبل أطراف أي نزاع لأن ذلك من شأنه أن يساهم في معرفة مصير المفقودين ولم شملهم بعائلاتهم والتعامل مع رفاتهم بشكل يتماشى مع المعايير الدولية والإنسانية المتعارف عليها بالإضافة الى منع الإفلات من العقاب بمحاسبة المسؤولين والمتسببين عن فقدان الأشخاص أو إخفاء الأدلة أو مرتكبي الجرائم غير الإنسانية في حقهم فعندما يتم الالتزام بالقانون الدولي الإنساني فإن ذلك يمهد الطريق إلى إحلال السلام.
ويمثل القرار الذي اعتمده مجلسكم الموقر اليوم رافدا أساسيا لزيادة وعي المجتمع الدولي وسد الفجوات عند التعامل مع مسألة المفقودين في سياق معالجة النزاعات كما يشجع المنظمات الإنسانية ذات الصلة سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية على اتخاذ التدابير المناسبة لتيسير عمليات البحث وضمان إدارة المعلومات المتصلة بالمفقودين إدارة ملائمة لمعرفة مصيرهم مع التأكيد على أهمية توفر الإرادة السياسية والتعاون بين الأطراف المتنازعة.
ولدولة الكويت تجربة مريرة في هذه المسألة ذات الطابع الإنساني فهي مازالت مستمرة في جهودها في الكشف عن مصير أبنائها المفقودين منذ حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1991 حيث تم الكشف عن مصير 236 مفقودا من أصل 605 ونقدر في هذا الشأن متابعة مجلس الأمن واهتمامه بهذا الملف تنفيذا لقراراته ذات الصلة.
كما نشيد بتعاون الحكومة العراقية ومساعيها الجادة الرامية لإغلاق هذا الملف في إطار اجتماعات اللجنة الثلاثية واللجنة الفنية المنبثقة عنها برئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي نقدر لها اهتمامها ومثابرتها وتصميمها ومساعدتها لكافة الأطراف من أجل معرفة مصير المفقودين وإنهاء معاناة عائلاتهم وأقاربهم.
في الختام وفي ضوء ما استعرضناه نود أن نجدد عزمنا لبذل ما بوسعنا لتعزيز جهود المجتمع الدولي لحفظ الأمن والسلم الدوليين ودعم عملية بناء السلام والتنمية الشاملة في سياق الدبلوماسية الوقائية والمشاركة في مسيرة العمل الجماعي الإنساني والتي تأتي معززة للنهج الراسخ والثابت لسياسة دولة الكويت الخارجية بوصفها أدوات لتفادي النزاعات وللمساهمة في إرساء دعائم الاستقرار والحوار والوساطة من خلال التعاطي مع الاضطرابات والأزمات القائمة والناشئة التي تواجه العالم مسترشدين في ذلك بالقانون الدولي والاحترام الكامل لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية.
حيث سيشكل الوفاء بالتزاماتنا الدولية القائمة على روح من المسؤولية والشراكة والتضامن على الصعيد العالمي أفضل انطلاقة تكفل لنا معالجة كافة التحديات التي تواجهنا مقدرين في الوقت ذاته الدور الذي تلعبه كافة الجهات والمنظمات الفاعلة للوفاء بمسؤولياتها في هذا المجال للحد من المخاطر المتصلة بالنزاعات وإشاعة السلام بين الدول والأطراف المتنازعة وستسعى دولة الكويت إلى توظيف إمكانياتها وطاقاتها تعزيزا لتلك المساعي الداعمة لأطر التعاون الدولية والهادفة إلى تعزيز قدرة الدول في تحقيق غاية حماية المدنيين والتخفيف من المصاعب الإنسانية التي يعانون منها.
وأجدد هنا الشكر والتقدير لكل من تعاون وشاركنا من أجل إصدار القرار الذي أثبت أن الكويت والعالم معها لا ينسيا مسألة الأشخاص المفقودين في النزاعات المسلحة”.
وقد حضر الجلسة مساعد وزير الخارجية لشؤون مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية السفير الشيخ الدكتور أحمد ناصر محمد الصباح ومندوب دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة السفير منصور العتيبي ومساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية الوزير المفوض ناصر الهين وعدد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية وأعضاء وفد دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك.