تقرير.. عملية تشكيل الحكومة الاسبانية الجديدة تنطلق غدا
(تقرير).. (كونا) – بعد نحو ثلاثة أشهر على الانتخابات العامة الإسبانية تبدأ غدا الاثنين جلسة التنصيب الأولى للمرشح الاشتراكي بيدرو سانشيز لرئاسة مجلس الوزراء لولاية ثانية دون ضمانات بنجاحه في المحاولة الأولى. وتبدأ الجلسة يوم الاثنين بخطاب سيلقيه الزعيم الاشتراكي يليه مداخلات لجميع ممثلي القوى السياسية في البرلمان على ان يتم التصويت يوم الثلاثاء المقبل.
ومن المتوقع ان يخفق سانشيز في الحصول على الأغلبية الساحقة عند 176 صوتا في البرلمان المؤلف من 350 نائبا في التصويت غير انه قد ينجح في حشد الدعم الكافي للحصول على الأغلبية البسيطة في جلسة التصويت الثانية التي ستعقد بعد مرور 48 ساعة أي يوم الخميس المقبل والتي سيحتاج فيها لعدد أكبر من الأصوات المؤيدة مقارنة بالمعارضة. وعلى الرغم من ان سانشيز فاز في الانتخابات العامة التي أجريت في 28 أبريل الماضي ب123 نائبا فانه بحاجة إلى دعم وتأييد أحزاب أخرى لتشكيل حكومة أراد منذ البداية ان تكون أحادية اللون لكن الظروف دفعته في نهاية المطاف إلى تأمل خيار قبول حكومة ائتلاف مع (اونيداس بوديموس) اليساري الذي يحظى ب42 نائبا رغم ان طريق التفاهم كانا محفوفا بالصعوبات.
واستمرت المفاوضات بين الطرفين خلال الفترة الماضية لكنها وصلت إلى طريق مسدود يوم الاثنين الماضي عندما أعلن الزعيم الاشتراكي في لقاء تلفزيوني قطع المفاوضات بشكل كامل إثر صدام مباشر مع زعيم الائتلاف بابلو اجليسياس معتبرا انه يشكل العقبة الأساسية في وجه التفاهم.
وذلك ان اجليسياس طالب بحكومة ائتلاف يشكل بنفسه جزءا منها لكن الزعيم الاشتراكي أعلن رفضه الكامل منح الأول حقيبة وزارية وهو الأمر الذي دفع إلى القناعة على مدار الأسبوع الماضي بان سانشيز لن ينصب رئيسا للوزراء قبل جولة تصويت ثانية مفترضة في شهر سبتمبر المقبل في أحسن الأحوال وبانه سيضطر إلى الدعوة إلى انتخابات جديدة في شهر نوفمبر المقبل في أسوئها. وسعيا منه لتسيير الأمور أعلن اجليسياس عشية يوم الجمعة الماضي انسحابه من مطالب منحه حقيبة وزارية طالما لا يعرقل الاشتراكيون ضم أعضاء بارزين آخرين في حزبه إلى مجلس الوزراء في خطوة رحب بها الاشتراكيون وأعادت الأمل بإمكانية إنجاح مشروع سانشيز يوم الخميس المقبل.
لكن دعم (بوديموس) لن يكون كافيا بكل الأحوال لأنهما يشكلان معا 165 صوتا لينفتح سيناريو أوسع يضم قوى سياسة أخرى لها بدورها مطالب ومصالح. من أبرز تلك الأطراف الأحزاب الانفصالية الكتالونية التي لوحت بالتصويت ب(لا) على مدار الأسابيع الماضية ما لم يسمح لها سانشيز بتنظيم استفتاء على انفصال (كتالونيا) عن إسبانيا لكنها أكدت في اليومين الأخيرين ان قرارها بالامتناع عن التصويت يعتمد على فحوى خطاب سانشيز غدا وما سيقدمه لها ونوع الحكومة الجديدة وإن كانت ستكون ائتلافية مع (بوديموس).
كذلك أعلن حزب (بيلدو) الانفصالي الباسكي (أربعة نواب) انه لا يمانع من الامتناع عن التصويت لكن بعد التفاوض على بعض المسائل كذلك أعلن الحزب القومي الباسكي (ستة نواب) انفتاحه على تسهيل مهمة سانشيز يوم الخميس المقبل. ويريد الاشتراكيون الفوز بالتصويت يوم الخميس المقبل وعدم تأجيل تنصيب سانشيز إلى جولة ثانية في شهر سبتمبر المقبل إدراكا منهم بان المعادلة السياسية ستكون مختلفة تماما في ذلك الوقت. ففي 11 سبتمبر المقبل يحتفل إقليم (كتالونيا) بعيده الوطني وهو مناسبة يتخذها الانفصاليون رمزا لمطالبهم ومن المتوقع ان تتزامن مع اضراب ومظاهرات حاشدة كما انه من المتوقع ان تصدر المحكمة العليا حكمها بشأن الزعماء الانفصاليين المتواجدين في السجون في نهاية شهر سبتمبر أو مطلع شهر أكتوبر المقبل.
ويمهد الانفصاليون إلى تنظيم اضراب شامل ردا على قرار المحكمة وممارسة الضغط لتنظيم انتخابات مبكرة في الإقليم واختيار حكومة إقليمية جديدة تمضي قدما في الانفصال من جانب واحد عن إسبانيا. ولا يضمن سانشيز عواقب تلك التطورات التي قد تحرمه من دعم الانفصاليين ما لم يستجب لمطالبهم وعليه فإنه يفضل الإسراع في تشكيل حكومة قبل مواجهة تلك الازمة. وسعيا منه للضغط على القوى السياسية الأخرى لتأييده هدد سانشيز أكثر من مرة بالدعوة لانتخابات جديدة في شهر نوفمبر المقبل معززا باستطلاعات الرأي التي تمنحه انتصارا جديد وأكبر مع 15 إلى 20 نائبا إضافيا في البرلمان.
لكن الزعيم الاشتراكي واللاعبين السياسيين الآخرين لا يريدون بطبيعة الأحوال المخاطرة باتخاذ تلك الخطوة ليس فقط لأنها ستكون انعكاسا للامسوؤلية السياسية بل لأنها ستضر أيضا بمصالح معظم الأحزاب ولاسيما اليسارية منها.
وذلك ان انتصار الاشتراكيين سيكون وفق استطلاعات الرأي على حساب تقهقر (بوديموس) وعليه فإن الاشتراكيين الذين سيواصلون بكل الأحوال حاجتهم إلى الدعم البرلماني لن يجدوا حليفا قويا لهم. كذلك يدرك الاشتراكيون ان المخاطرة الكبرى في تنظيم انتخابات ثانية تتجسد في احباط الناخب الاشتراكي وتراجع نسبة المشاركة العامة في الانتخابات وهو أمر له نتائج عكسية وسلبية تاريخيا على التيار اليساري في إسبانيا.
من جانب آخر قد تكون الانتخابات الجديدة فرصة لقوى اليمين التي تفرعت إلى ثلاثة أحزاب مع دخول حزب متطرف بقوة في البرلمان الاسباني للمرة الأولى في الديمقراطية في انتخابات أبريل الماضي لإعادة هيكلتها وتنظيمها وربما اكتساب المزيد من القوة التي ستشكل في نهاية المطاف تهديدا للاشتراكيين.
يذكر ان حزب (بوديموس) يتوق لتشكيل جزء من الحكومة الاسبانية الجديدة لأنه فرصة ذهبية لالتقاط أنفاسه وإعادة بناء حزبه وتعزيز قيادته بعدما عانى من تراجع عدد نوابه من 71 في انتخابات عام 2016 إلى 42 في الانتخابات الأخيرة. وستجيب الأيام القليلة المقبلة عن تساؤلات كثيرة منها عدد نواب (بوديموس) والحقائب الوزارية التي سيتولونها في أول حكومة ائتلاف في تاريخ اسبانيا الديمقراطي والبرنامج الذي ستطرحه هذه الحكومة.