أهم الأخبارعربي و دولي

ليبيا: بعد ترنح قواته..حفتر يبحث عن مخرج «مشرف»

‮«‬الأناضول‮»‬‭: ‬حفتر‭ ‬يشترط‭ ‬ضمانات‭ ‬لانسحاب‭ ‬محتمل‭ ‬من‭ ‬محيط‭ ‬طرابلس،‭ ‬ويريد‭ ‬ضمانات‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬ويطلب‭ ‬تعيينات‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬مهمة‭ ‬بالدولة‮»‬،‭ ‬تصريح‭ ‬خطير‭ ‬للمبعوث‭ ‬الأممي‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬غسان‭ ‬سلامة،‭ ‬يعكس‭ ‬حالة‭ ‬اليأس،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬مشرف‭ ‬للواء‭ ‬المتقاعد‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر،‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬نكسات‭ ‬وهزائم‭ ‬منيت‭ ‬بها‭ ‬قواته‭ ‬جنوب‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس،‭ ‬جعلت‭ ‬روحها‭ ‬المعنوية‭ ‬في‭ ‬الحضيض‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬البعثة‭ ‬الأممية‭ ‬حاولت‭ ‬التملص‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬ضجة‭ ‬إعلامية‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬قوات‭ ‬الشرق‭ ‬أحمد‭ ‬المسماري،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حفتر‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يفاوض‭ ‬يوما‭ ‬على‭ ‬منصب‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تشير‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬تترنح،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬هزيمتها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غريان‭ (‬100‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬طرابلس‭)‬،‭ ‬ووصول‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬إلى‭ ‬مشارف‭ ‬مدينة‭ ‬ترهونة‭ (‬90‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬طرابلس‭).‬

‭** ‬تقدم‭ ‬سريع‭ ‬وكاسح

فقوات‭ ‬حفتر‭ ‬اكتسحت‭ ‬أجزاء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬غرب‭ ‬ليبيا،‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الهجوم‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أبريل‭/ ‬نيسان‭ ‬الماضي،‭ ‬وفي‭ ‬ظرف‭ ‬قياسي،‭ ‬شملت‭ ‬دخول‭ ‬مدن‭ ‬غلاف‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬دون‭ ‬قتال،‭ ‬صبراتة‭ ‬وصرمان‭ (‬70‭ ‬كلم‭ ‬غرب‭ ‬طرابلس‭) ‬وغريان‭ ‬وترهونة‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬ينقضي‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الهجوم،‭ ‬أكملت‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬منطقة‭ ‬ورشفانة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬عاصمتها‭ ‬العزيزية‭ (‬45‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬طرابلس‭)‬،‭ ‬وبلدات‭ ‬الزهراء‭ ‬والكريمية‭ ‬والعامرية‭ ‬والساعدية‭.‬

وانضمام‭ ‬اللواء‭ ‬التاسع‭ ‬ترهونة‭ ‬القوي‭ ‬إلى‭ ‬قوات‭ ‬حفتر،‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬جراح‭ ‬طرابلس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اندفعت‭ ‬وحداته‭ ‬نحو‭ ‬العاصمة،‭ ‬واكتسحت‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬بلدات‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الأربع‭ (‬سوق‭ ‬الخميس‭ ‬امسيحل،‭ ‬والسبيعة،‭ ‬وسوق‭ ‬الأحد،‭ ‬وسوق‭ ‬السبت‭).‬

كانت‭ ‬أحياء‭ ‬طربلس‭ ‬الجنوبية‭ ‬تتساقط‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬قوة‭ ‬بإمكانها‭ ‬صد‭ ‬هذا‭ ‬الزحف‭ ‬الجارف‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الشرق،‭ ‬فسقط‭ ‬حي‭ ‬قصر‭ ‬بن‭ ‬غشير،‭ ‬ثم‭ ‬تقدمت‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬فسيطرت‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬حيي‭ ‬عين‭ ‬زارة‭ ‬ووادي‭ ‬الربيع،‭ ‬ثم‭ ‬وضعت‭ ‬يدها‭ ‬على‭ ‬حي‭ ‬السواني‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الخلايا‭ ‬النائمة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنقض‭ ‬على‭ ‬مطار‭ ‬طرابلس‭ ‬القديم‭ ‬والاستراتيجي‭.‬

وخلال‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬هجوم‭ ‬حفتر،‭ ‬كانت‭ ‬طرابلس‭ ‬أشبه‭ ‬بفريسة‭ ‬قضمت‭ ‬أجزاؤها‭ ‬السفلية،‭ ‬وتستعد‭ ‬لتلفظ‭ ‬أنفاسها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬بقيت‭ ‬أجنحتها‭ ‬الغربية‭ ‬والشرقية‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬الهضم‭.‬

‭** ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع

لكن‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثاني،‭ ‬ووصول‭ ‬الإمدادات‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬مصراتة‭ (‬200‭ ‬كلم‭ ‬شرق‭ ‬طرابلس‭)‬،‭ ‬والزاوية‭ (‬45‭ ‬كلم‭ ‬غرب‭ ‬طرابلس‭)‬،‭ ‬والزنتان‭ (‬140‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬طرابلس‭)‬،‭ ‬التقطت‭ ‬العاصمة‭ ‬أول‭ ‬أنفاسها،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬الزحف‭ ‬الأسود‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الشرق،‭ ‬وتم‭ ‬تثبيت‭ ‬قوات‭ ‬حفتر،‭ ‬وتشكيل‭ ‬حائط‭ ‬صد‭ ‬قوي‭ ‬حول‭ ‬وسط‭ ‬العاصمة،‭ ‬ونقاط‭ ‬ارتكاز‭ ‬متينة‭ ‬يصعب‭ ‬اختراقها‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬معسكري‭ ‬اليرموك‭ ‬والنقلية‭.‬

كمرحلة‭ ‬ثانية‭ ‬بدأت‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬استرجاع‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬ضيعتها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الهجوم،‭ ‬فتم‭ ‬تحرير‭ ‬العزيزية‭ ‬وبلدات‭ ‬ورشفانة‭ ‬جميعها،‭ ‬واستعادة‭ ‬حي‭ ‬السواني‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المحاذي‭ ‬للمطار‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الغربية‭.‬

كما‭ ‬عملت‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬على‭ ‬تقطيع‭ ‬خطوط‭ ‬إمدادات‭ ‬قوات‭ ‬حفتر،‭ ‬الطويلة‭ ‬والممتدة‭ ‬على‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر،‭ ‬برا‭ ‬وجوا،‭ ‬بل‭ ‬واستهداف‭ ‬قاعدة‭ ‬الجفرة‭ ‬الجوية‭ (‬600‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬طرابلس‭)‬،‭ ‬مركز‭ ‬تحشيد‭ ‬الجنود‭ ‬والإمدادات،‭ ‬ما‭ ‬ضاعف‭ ‬معاناة‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬في‭ ‬الجبهات‭ ‬الأمامية‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬الوقود‭ ‬والمؤن‭ ‬والذخائر‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬تسليم‭ ‬عناصر‭ ‬تابعين‭ ‬لحفتر‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جبهة،‭ ‬واعترافهم‭ ‬بأن‭ ‬معنويات‭ ‬زملائهم‭ ‬منهارة،‭ ‬وهروب‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬إلى‭ ‬أهاليهم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الليبي،‭ ‬أسرت‭ ‬وحدات‭ ‬المحور‭ ‬الجنوبي‭ ‬لحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬بعضهم‭ ‬قرب‭ ‬منطقة‭ ‬الشويرف‭ (‬400‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬طرابلس‭).‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬أوشكت‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬معركة‭ ‬طرابلس‭ ‬خلال‭ ‬أيام،‭ ‬مرت‭ ‬الشهور‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬أو‭ ‬انتصار‭ ‬يستحق‭ ‬الذكر،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬استثنينا‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬والصاروخي‭ ‬الذي‭ ‬أوقع‭ ‬أعدادا‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬المدنيين‭ ‬وحتى‭ ‬مهاجرين،‭ ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬حفتر‭ ‬وقادة‭ ‬أركانه‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬المحاكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬بتهم‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وأفقده‭ ‬الحرب‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وأحرج‭ ‬حلفاءه‭ ‬الدوليين،‭ ‬وخاصة‭ ‬فرنسا‭.‬

خسر‭ ‬حفتر‭ ‬القوس‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬بكامل‭ ‬محاوره‭ (‬السواني،‭ ‬كوبري‭ ‬الزهراء،‭ ‬العزيزية،‭ ‬الكريمية‭ ‬الساعدية‭ ‬العامرية،‭ ‬الهيرة،‭ ‬بوشيبة‭ ‬الكسارات‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬خسارة‭ ‬غريان،‭ ‬كانت‭ ‬الأكثر‭ ‬جللا،‭ ‬نظرا‭ ‬لاحتوائها‭ ‬على‭ ‬غرفة‭ ‬عمليات‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬الرئيسية،‭ ‬وانكشاف‭ ‬التورط‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬حفتر‭ ‬بعد‭ ‬اعتراف‭ ‬باريس‭ ‬بأن‭ ‬صواريخ‭ ‬جافلين‭ ‬المضادة‭ ‬للدروع‭ ‬التي‭ ‬استولت‭ ‬عليها‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬في‭ ‬غريان،‭ ‬تعود‭ ‬ملكيتها‭ ‬لها‭.‬

كما‭ ‬تمكنت‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬30‭ ‬كلم‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬غريان،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬مهبط‭ ‬غوط‭ ‬الريح‭ ‬للمروحيات،‭ ‬الذي‭ ‬استخدم‭ ‬أيضا‭ ‬مهبطا‭ ‬لطائرات‭ ‬دون‭ ‬طيار،‭ ‬كانت‭ ‬تقصف‭ ‬العاصمة‭.‬

حاليا‭ ‬انتقلت‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة،‭ ‬فبعد‭ ‬صد‭ ‬الهجوم‭ ‬وتثبيت‭ ‬قوات‭ ‬حفتر،‭ ‬ثم‭ ‬استرجاع‭ ‬مناطق‭ ‬ضيعتها‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الزحف،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬التابعة‭ ‬لحفتر،‭ ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬دفاع‭.‬

فمع‭ ‬نهاية‭ ‬أغسطس‭/ ‬آب‭ ‬الماضي،‭ ‬تقدمت‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬من‭ ‬محاور‭ ‬القره‭ ‬بوللي‭ ‬والقويعة‭ ‬والنشيع‭ ‬والزطارنة‭ (‬شرقي‭ ‬العاصمة‭) ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬مشارف‭ ‬ترهونة،‭ ‬وأجبرت‭ ‬اللواء‭ ‬التاسع‭ ‬على‭ ‬الانسحاب،‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬هجوم‭ ‬طرابلس،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الحدود‭ ‬الإدارية‭ ‬للمدينة‭.‬

وبشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬كثف‭ ‬طيران‭ ‬الوفاق‭ ‬غاراته‭ ‬على‭ ‬ترهونة‭ ‬ومحيطها،‭ ‬مستهدفا‭ ‬تمركزات‭ ‬اللواء‭ ‬التاسع،‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬قصفت‭ ‬وحداته‭ ‬أحياء‭ ‬العاصمة‭ ‬المكتظة‭ ‬بالسكان،‭ ‬ونكّل‭ ‬بأسرى‭ ‬الوفاق‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭.‬

‭** ‬‮«‬الوفاق‮»‬‭ ‬تستعين‭ ‬بخطة‭ ‬رومانية

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬لقوات‭ ‬الوفاق‭ ‬طرد‭ ‬كتائب‭ ‬حفتر‭ ‬من‭ ‬الضواحي‭ ‬الجنوبية‭ ‬للعاصمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ترهونة‭ ‬تمثل‭ ‬مربط‭ ‬الفرس،‭ ‬فالسيطرة‭ ‬عليها‭ ‬تعني‭ ‬انهيارا‭ ‬طبيعيا‭ ‬لقوات‭ ‬حفتر‭ ‬في‭ ‬الجبهات‭ ‬الأمامية،‭ ‬لأنها‭ ‬ستكون‭ ‬حينها‭ ‬محاصرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬ودون‭ ‬مؤن‭ ‬ولا‭ ‬ذخائر‭ ‬ولا‭ ‬إمدادات،‭ ‬وسيضطر‭ ‬اللواء‭ ‬التاسع‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬رجاله‭ ‬من‭ ‬طرابلس‭ ‬لحماية‭ ‬مدينته‭ ‬من‭ ‬السقوط،‭ ‬أو‭ ‬مقايضتها‭ ‬بأحياء‭ ‬العاصمة‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬سقطت‭.‬

وهذا‭ ‬التكتيك‭ ‬العسكري‭ ‬قديم،‭ ‬استخدمه‭ ‬الرومان‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬البونيقية‭ ‬الثانية‭ (‬218‭ ‬ـ‭ ‬203‭ ‬ق‭.‬م‭)‬،‭ ‬عندما‭ ‬حاصر‭ ‬القائد‭ ‬القرطاجي‭ ‬حنبعل،‭ ‬عاصمتهم‭ ‬روما‭ ‬15‭ ‬عاما‭ ‬بعدما‭ ‬عبر‭ ‬مضيق‭ ‬جبل‭ ‬طارق،‭ ‬واستولى‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬إسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬فقام‭ ‬الرومان‭ ‬باحتلال‭ ‬عاصمة‭ ‬بلاده‭ ‬قرطاج‭ (‬تونس‭) ‬وتدميرها،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬جيشه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.‬

وكذلك‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬ترهونة‭ ‬سينقذ‭ ‬عاصمة‭ ‬الوفاق،‭ ‬وينقل‭ ‬ساحات‭ ‬المعارك‭ ‬من‭ ‬الضواحي‭ ‬الجنوبية‭ ‬لطرابلس‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬وأحياء‭ ‬ترهونة‭ ‬نفسها،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬لعناصر‭ ‬اللواء‭ ‬التاسع‭ ‬سوى‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الديار‭ ‬لحماية‭ ‬أهاليهم‭ ‬وأملاكهم‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬بركان‭ ‬الغضب‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬سيُربك‭ ‬ويزعزع‭ ‬مواقعهم‭ ‬الصلبة‭ ‬جنوبي‭ ‬العاصمة‭.‬

فترهونة‭ ‬أصبحت‭ ‬شبه‭ ‬محاصرة،‭ ‬وقوات‭ ‬الوفاق‭ ‬تضغط‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬القره‭ ‬بوللي،‭ ‬ومن‭ ‬الغرب‭ ‬حيث‭ ‬كثفت‭ ‬هجماتها‭ ‬على‭ ‬بلدتي‭ ‬السبيعة‭ ‬وسوق‭ ‬الخميس،‭ ‬لقطع‭ ‬خط‭ ‬الإمداد‭ ‬بين‭ ‬ترهونة‭ ‬وقصر‭ ‬بن‭ ‬غشير‭ ‬والمطار‭ ‬القديم‭.‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬لقوات‭ ‬الوفاق‭ ‬مهاجمة‭ ‬ترهونة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الشرق‭ ‬عبر‭ ‬مدينة‭ ‬مسلاتة‭ (‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬ترهونة‭)‬،‭ ‬وقطع‭ ‬طريق‭ ‬الإمداد‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الجنوب‭ ‬بين‭ ‬ترهونة‭ ‬ومدينة‭ ‬بني‭ ‬وليد‭ (‬180‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬طرابلس‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬قاعدة‭ ‬إمداد‭ ‬خلفية‭ ‬لكنها‭ ‬منقسمة‭ ‬الولاء‭ ‬مثل‭ ‬مدينة‭ ‬الزنتان‭ (‬170‭ ‬كلم‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬طرابلس‭).‬

وسكان‭ ‬ترهونة‭ ‬يعانون‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬طرابلس،‭ ‬من‭ ‬شح‭ ‬الوقود‭ (‬توقفت‭ ‬إمداداته‭ ‬شهرا‭ ‬كاملا‭)‬،‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬مياه‭ ‬منذ‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬نقص‭ ‬السيولة‭ ‬المالية،‭ ‬فالوضع‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬مأساوي،‭ ‬واستمرار‭ ‬القتال‭ ‬يزيد‭ ‬عزلة‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الجبلية،‭ ‬التي‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬أو‭ ‬منفذ‭ ‬بحري‭.‬

وسقوط‭ ‬ترهونة‭ ‬سيكون‭ ‬مفتاحا‭ ‬لإعادة‭ ‬تثبيت‭ ‬سيطرة‭ ‬‮«‬الوفاق‮»‬‭ ‬على‭ ‬بني‭ ‬وليد‭ ‬‮«‬المتأرجحة‮»‬،‭ ‬ومنه‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الجفرة‭ ‬الجوية‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وإنهاء‭ ‬تواجد‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬وبلدات‭ ‬إقليم‭ ‬فزان‭ (‬جنوب‭ ‬غرب‭).‬

‭** ‬مرزق‭ ‬تكشف‭ ‬هشاشة‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬بالجنوب

وعجز‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬مرزق،‭ ‬رغم‭ ‬استخدامها‭ ‬سلاح‭ ‬الطيران،‭ ‬وإرسال‭ ‬كتيبة‭ ‬كاملة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الوضع،‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬هشاشة‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬فزان‭.‬

فاستعادة‭ ‬قوات‭ ‬الوفاق‭ ‬لهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الشاسعة‭ ‬والقليلة‭ ‬السكان‭ ‬لن‭ ‬تكلفها‭ ‬الكثير،‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬بتوافق‭ ‬مع‭ ‬قبائل‭ ‬الجنوب،‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬القوة‭ ‬الثالثة‭ ‬التابعة‭ ‬لكتائب‭ ‬مصراتة‭ ‬في‭ ‬2014،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬سحبت‭ ‬جزءا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬كتائبها‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬لتركيز‭ ‬قوتها‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭.‬

لذلك‭ ‬فوضع‭ ‬قوات‭ ‬حفتر‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬القتال،‭ ‬لا‭ ‬يوحي‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬النصر‭ ‬القريب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬بشّر‭ ‬به‭ ‬حفتر‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ونصف‭.‬

فقواته‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الشرق،‭ ‬فقدت‭ ‬حماستها‭ ‬للقتال‭ ‬وتتشوق‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الديار،‭ ‬أما‭ ‬كتائب‭ ‬الزنتان‭ ‬فهجوم‭ ‬طرابلس‭ ‬قسمها،‭ ‬وتوشك‭ ‬أن‭ ‬تنفجر‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يسلم‭ ‬منها‭ ‬أي‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬أما‭ ‬كتائب‭ ‬ورشفانة‭ ‬فخسرت‭ ‬جميع‭ ‬مدنها‭ ‬وبلداتها،‭ ‬وقادتُها‭ ‬يتلقون‭ ‬طعنات‭ ‬من‭ ‬الظهر‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬اللواء‭ ‬التاسع‭ ‬ترهونة،‭ ‬الذي‭ ‬تتعرض‭ ‬مدينته‭ ‬لقصف‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬مثيلا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وهي‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬اقتحامها‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الليبي‭ ‬الموالي‭ ‬للوفاق‭.‬

المشهد‭ ‬العسكري‭ ‬أمام‭ ‬حفتر‭ ‬ليس‭ ‬مثاليا،‭ ‬فالضغط‭ ‬الأممي‭ ‬والدولي‭ ‬يزداد‭ ‬عليه،‭ ‬وفرنسا‭ ‬تتراجع‭ ‬خطوات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬في‭ ‬دعمه،‭ ‬ومصر‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتورط‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬بليبيا،‭ ‬أما‭ ‬الإمارات‭ ‬فالأضواء‭ ‬مسلطة‭ ‬عليها‭ ‬بكثافة،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يدري‭ ‬كم‭ ‬ستصمد‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬رصيد‭ ‬‮«‬الميراث‭ ‬الأخلاقي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬المرحوم‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد،‭ ‬مؤسس‭ ‬الدولة‭.‬

وسواء‭ ‬كان‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬نقلته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬ليبيراسيون‮»‬‭ ‬الفرنسية،‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬غسان‭ ‬سلامة،‭ ‬صحيحا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬دقيق،‭ ‬فإن‭ ‬حفتر‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬التفاوض‭ ‬لإنقاذ‭ ‬نفسه‭ ‬وقواته‭ ‬وبلاده‭ ‬من‭ ‬السيناريو‭ ‬الأسوأ‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.