الفرنسيون يكرمون جاك شيراك «الرئيس المحبوب»
«ا.ف.ب»: تكرم فرنسا الجمعة رئيس الدولة الأسبق جاك شيراك الذي توفي أمس عن 86 عاما أمضى 12 سنة منها في قصر الإليزيه، وسط توارد ردود الفعل على غياب سياسي كبير ازدادت شعبيته بعد خروجه من السياسة.
أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون مساء الخميس في نهاية كلمة تلفزيونية مستذكرا إنجازات سلفه أن جاك شيراك «يدخل التاريخ وسيفتقده كل منّا بعد اليوم».
وقال إن شيراك رفع لواء «فرسا مستقلة وأبية، قادرة على الوقوف ضد تدخل عسكري غير مبرر حين رفض عام 2003 غزو العراق بدون تفويض من الأمم المتحدة».
وحضر مئات الأشخاص منذ مساء الخميس إلى قصر الإليزيه لتوقيع سجلات المعزين التي ستبقى مفتوحة للجمهور حتى الأحد في رواق المقر الرئاسي، أمام صورة ضخمة للرئيس السابق الراحل، وتدوين كلمات «وداع للرئيس +المحبوب+» بحسب ما أوردت صحيفة «لو باريزيان» الجمعة.
وسيقام تكريم شعبي يستند إلى «العلاقة القوية التي كان جاك شيراك يقيمها مع الفرنسيين» بعد ظهر الأحد في صرح «الإنفاليد» في باريس، حيث سيكون بإمكان الفرنسيين إلقاء نظرة أخيرة على النعش عشيّة يوم حداد وطني الإثنين.
وسيوارى الرئيس السابق الثرى الإثنين في مراسم خاصة تقتصر على العائلة في مقبرة مونبارناس حيث ترقد ابنته لورانس التي توفيت عام 2016.
وتوفي جاك شيراك الذي كان مريضا منذ سنوات عدة «بسلام وبدون معاناة» محاطا بأقربائه صباح الخميس في منزله في شارع تورنون بوسط باريس، المدينة التي كان رئيس بلديتها على مدى 18 عاما والتي شكلت له بوابة إلى الرئاسة عام 1995.
وبوفاة شيراك يغيب أحد كبار وجوه اليمين الفرنسي، سياسي أثبت طوال مساره الذي استمر حوالى أربعين عاما بين نجاحات باهرة وإخفاقات، عن قدرة استثنائيّة على تخطي العقبات والنهوض مجددا.
وقال الخبير السياسي باسكال بيرينو «جاك شيراك هو أسلوب أكثر مما هو حصيلة»، مذكرا بما قاله عنه أحد وزرائه السابقين فيليب سيغين إنه «دون خوان السياسة، يفضل الفوز بالسلطة على ممارستها».
- «بيتنا يحترق» -
وسط التعرجات والانعطافات التي واكبت مساره السياسي وطروحاته الاقتصادية والاجتماعية، لزم شيراك ثوابت لم يحد عنها: رفضه الحازم لليمين المتطرف، وحرصه على اللحمة الوطنية، ومفهومه الديغولي لدور فرنسا في العالم، إذ كان يرى بلاده قوة توازن قادرة على التواصل مع الجميع.
وفور إعلان وفاته، توالت ردود فعل العالم، واستحضر بعض القادة بتأثر صداقتهم للرجل الذي قاد فرنسا بين 1995 و2007. وأثنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على «شريك رائع وصديق»، ورأى رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أن أوروبا «خسرت أحد أبرز وجوهها، وفرنسا رجل دولة عظيما وأنا خسرت صديقا وفيا».
إن كان هناك موقف يختزل عهد شيراك، فهو رفضه الحرب على العراق عام 2003.
وعلى الصعيد الداخلي، تميزت رئاسته بإنهاء التجنيد العسكري والاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في الجرائم النازية، والانتقال إلى ولاية رئاسية من خمس سنوات.
كما سيذكر العالم نداءه البيئي الشهير خلال قمة العالم عام 2002 «بيتنا يحترق».
وفي 2007، بعد عامين على إصابته بجلطة دماغية أضعفته، هزم أمام وزيره السابق وخصمه السياسي نيكولا ساركوزي.
ومنذ ذلك الحين، قلّ ظهور شيراك العام، وبات يعاني من «فقدان الذاكرة»، وخف سمعه.
غير أن شعبيته ازدادت بعدما غادر السلطة، بعد حياة سياسية شهدت هزائم كبرى مثل هزيمته أمام الاشتراكي فرنسوا ميتران عام 1988.
وبعد ذلك بتسع سنوات، ارتكب خطأ سياسيا فادحا عام 1997 بحل الجمعية الوطنية سعيا لتعزيز غالبيته، فألحق به اليمين الفرنسي نكسة كبرى أرغمته على التعايش لما تبقى من سنواته الرئاسية مع رئيس وزراء اشتراكي هو ليونيل جوسبان.
وبعد انسحابه من السياسة، واجه شيراك متاعب مع القضاء. وفي 2011 أصبح أول رئيس فرنسي سابق يُحكم عليه في فرنسا بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ في قضية وظائف وهمية في بلدية باريس حين كان رئيسا لها.
ومنذ مغاردته قصر الاليزيه، كان شيراك يعيش مع زوجته برناديت في باريس. وهو أب لابنتين، لورانس التي كانت تعاني من الأنوركسيا منذ شبابها وتوفيت في نيسان/ابريل 2016، وكلود التي كانت مستشارته الاعلامية.